بيان من محامية الرئيس السابق حول إحالة الملف للمحكمة
بيان صادر عن المحامية سندريللا مرهج
عضو هيئة الدفاع عن رئيس جمهورية موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز
موجّه إلى من يهمّه الأمر من الحريصين على مكانة الدول العربية في عالم الفقه والاجتهاد القضائي
لا سيّما جانب المجلس الأعلى للقضاء في الجمهورية الإسلامية الموريتانية الحبيبة
تحية وبعد،
يتناول بياننا العام والعلَني فقرتين، الأولى دستورية والثانية قانونية،
أوّلاً : في الدستور
دأبت هيئة الدفاع عن رئيس جمهورية موريتانيا السابق محمد ولد عبد العزيز على إثارة القاعدة الدستورية المنصوص عنها في المادة ٩٣ من الدستور الموريتاني والتي تتناول الحصانة الرئاسية وشروط ملاحقة واتهام ومحاكمة رئيس جمهورية مع تأكيدها الدائم على تمسّكها مع موكلها بها، انطلاقاً من واجب الحرص على صَون الدستور ووجوب وقف المسار القانوني المنتهج خلافاً للقاعدة أعلاه
ولكن، دون جدوى حتى الساعة.
لكم ايتها السيدات والسادة الابحاث الفقهية والاجتهادات القانونية العالمية التي تُجمع ان الحصانة الرئاسية وجدت لضمان الحرية السيادية في تجسيد الدولة.
أجمعَ الفقه والاجتهاد على أنّ هذه الحصانة تستمر ولو بعد انتهاء الولاية الرئاسية بما خصّ الاعمال التي مورست طوال فترة الحكم. هذا لا يعني ان يبقى رئيس الجمهورية خارج الملاحقة فيما اذا كان ارتكب فعلاً افعالاً جرمية، بل للملاحقة والاتهام شروط أهمّها: التصويت من الجمعية الوطنية التي تؤلف البرلمان على قرار صريح يقضي برفع الحصانة يصدر ولو بعد انتهاء الولاية الرئاسية المشكو منها.
هذا ما لم يحصل في موريتانيا بقضية الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
إضافة الى بنود عدّة أخرى منها السند الدستوري لتشكيل اللجنة البرلمانية ناهيكم عن الشوائب التي تعتلي تقريرها والتي نحتفظ بحقوق موكلنا كافة لأي جهة كانت.
ثانياً: في القانون
يُلاحق موكلنا أمام هيئة قضائية شُكّلت تبعاً لقانون مكافحة الفساد رقم ١٤-٢٠١٦ والذي وقّعه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بنفسه بتاريخ ١٥ نيسان ٢٠١٦
طبعاً، يصحّ في هذه المشهدية القول العربي المأثور: "سبَق السيف العذَل"
فالرئيس لم يكن يُدرك حينما أمسك القلم ووقّع على قانون أراده لبناء الدولة أنّ سطور الظلامية ستسدل عليه الستارة. أو هكذا تظنّ.
يعاقبُ قانون مكافحة الفساد المذكور آنفاً الموظفين العموميين على جرائم فساد.
أوضَح القانون في المادة الثانية فقرة -باء المقصود بمصطلح "موظف عمومي" كما حرفيته:
" كل شخص مدني أو عسكري يشغل منصباً تشريعياً أو تنفيذياً أو قضائياً، سواء كان معيناً او منتخباً، دائماً أو مؤقتاً، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر ، بصرف النظر عن رتبته أو اقدميته "
بالعودة الى التشريعات الوطنية الموريتانية المستقاة من التشريعات الفرنسية،
إن القانون رقم ٩- ٩٣ الصادر بتاريخ ١٨-١-١٩٩٣ نظّم شؤون الوظيفة العامة وحدّد شروط الحصول على صفة الموظف العام كما ان الدولة أنشأت وزارة الوظيفة العمومية والعمل والتي لا ترتبط شؤونها بمهام رئيس الجمهورية.
إذاً، إنّ شروط اكتساب صفة الموظف العام بما تحمل هذه الصفة من واجبات وحقوق هي عامّة في الحقل المعرفي الخاص بالادارات العامة ولا تشذّ دولة موريتانيا عنها بل اتت المادة الثانية من القانون ٩/٩٣ متوافقة مع هذه القواعد الواضحة في المجتمع الحقوقي الدولي.
وهنا السؤال ، هل رئيس الجمهورية في المفهوم القانوني عامّة والموريتاني خاصّةً موظف عام يشغل منصباً تنفيذياً؟
الجواب قطعاً كلّا. والسنَد في الاجتهادات المقارَنة والدستور الموريتاني .
نصّت المادة ٢٤ من الدستور على ما يلي :
"رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسّد الدولة ويضمن بوصفه حكما السير المطرد والمنتظم للسلطات العمومية
وهو الضامن للإستقلال الوطني ولحوزة الاراضي "
وتلتها المادة ٢٥ في ما يلي :
" يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ويترأس مجلس الوزراء"
إذاً، لا يخفى على أحد أنّ رئيس الجمهورية:
-يملك صفة "الحكم" وليس صفة الموظف العمومي.
-يمارس السلطة التنفيذية وليس شاغلاً لمنصب تنفيذي.
والفرق شاسع.
وعليه، إنّ قانون مكافحة الفساد ١٤/٢٠١٦ لا تنطبق نصوصه على افعال مارسها رئيس جمهورية طوال مدة ولايته،
والقانون المذكور لم يلغِ أو يعدل صراحةً القانون ٩/٩٣ الخاص بالوظيفة العمومية ما يبقي هذا الأخير نافذاً لجهة شرح مفهوم موظف عمومي.
ويبقى الدستور أعلى مرتبة من كل القوانين.
ما يقضي تبعاً لذلك التدخل السريع من جانب المجلس الاعلى للقضاء الموريتاني الذي نحترم ونقدّر ؛
حيث ان نسبة كبيرة من الاجتهادات القضائية الموريتانية تدخل المكتبة الحقوقية العربية من بابها العريض ونفتخر بأن تبقى موريتانيا بوابة فكر وملاذ طالبي العدل،
إنّ قضية الرئيس محمد ولد عبد العزيز بمسارها المتعثر دستورياً وقانونياً،منذ بداياتها حتى اليوم، تستحق اتخاذ القرارات القضائية العاجلة من مرجعها القضائي الاعلى لتحصين بوصلة القضاء الموريتاني في حضن العالم الحقوقي الدولي الذي ينظر بعين جدّية الى مسار هذه القضية من باب الثقل القانوني بين التشريع والتطبيق وليس من باب العناوين الرنّانة التي ترضي محبّي الصخب.
وعليه، لكل ما تمّ الإضاءة عليه أعلاه وبعد تبيان عدم انطباق القانون ١٤/٢٠١٦ على رئيس جمهورية كائناً من كان،
وتبعاً لما تقدّم، يثبت عدم الاختصاص النوعي لقطب التحقيق في جرائم الفساد من النظر في القضية ٠٠١/٢٠٢١
بالشقّ المتعلقّ بموكلنا، وبغضّ النظر عن طلبات اي من الفرقاء في الدعوى،
ولما كان موضوع الاختصاص يتعلق بالصالح العام ما يوجب اثارته عفواً من القاضي الناظر بالدعوى أو من أي مرجعية قضائية تساويه أو تعلوه مرتبة دونما الحاجة للطلب.
نتطلّع الى عدالة القضاء باتخاذ القرارات العادلة الفورية القاضية بوقف الملاحقة وبطلان الاجراءات واعلان عدم الاختصاص وان لا وجه لمتابعة التحقيق مع تاكيدنا على مطلب موكلنا بمحاكمة عادلة علنية تُحترم فيها الاصول الدستورية والقانونية والانسانية.
"على القضاء قول الحقّ وعلى المحامي قول الحقيقة"
بكل تحفظ واحترام
بالوكالة التامّة
المحامية سندريللا مرهج
٣٠/٥/٢٠٢٢