Header Ads

اعلان

(برخان) Opération Barkhane محاكمة لفرنسا / مقال

عندما استعصى على غلاة الفكر المنحرف اختراق الحصون العقدية المنيعة للمجتمعات المسلمة المسالمة في ساحل القارة الإفريقية رغم تعدد الأساليب المخادعة التي ابتكرها هؤولاء لم تستطع نبتة السوء النشاز تلك أن تنبت في بيئتنا الوسطية المتسامحة وذلك فضل من الله نحمده عليه و نشكره .    



مع قيام الدولة الوطنية الحديثة كان واقع الأمة الإسلامية من مشرقها إلى مغربها و ما ألت إليه من أمة حضارة و نضارة فكرية إلى أمة مستلبة مهزوزة مهزومة تائهة ظرفا مواتيا لثلة من محرفي العقيدة الذين لم يخلو منهم زمان و لا مكان فنصبوا شراك خبثهم لتتصيد الشباب الهائم على وجهه بفعل التخلف الحضاري الذي نخر كيان الأمة ككل في غفلة من ضمير العالم الحر الذي خاض حروبا وجودية ضد الديكتاتورية والفاشية كانت الشعوب في بلدان العالم الإسلامي الوليدة ترزح تحت وطأة أنظمة متسلطة ستجثم على صدورها لعقود دنست شرف الوطنية ونهبت خيرات الأوطان وملئت دنيا الناس وشغلتهم بشعارات عاطفية مضللة.



على مستوى الساحل الإفريقي المتاخم جغرافيا للعالم العربي الذي كان مهدا ترعرعت فيه الأفكار المتطرفة نتيجة عاملي التخلف و الديكتاتورية فإن بلدان الساحل و هي مستعمرات فرنسية وقعت ضحية انقلابات عسكرية قضت على بصيص الأمل الذي لاح بعد مغادرة الاستعمار فقد أجهز تهور الضباط الشباب الحالمين بالمال والسلطة على الدولة المدنية وهي في باكورة نشأتها وكانت كل جماعة انقلابية فاقدة للشرعية الوطنية مجبرة على أن تخضع ذليلة للضغوط الخارجية و تقدم كل التنازلات مقابل تمتعها بشرعية دولية تدرءا عنها مكر و خبث أجهزة المخابرات الغربية والفرنسية على وجه الخصوص التي حولت ساحل القارة السمراء إلى سرك فسيح لتحريك الدمى بالتي كانت فرنسا دائما عونا لمن يغتصب السلطة ما سيصبح مع تكراره قاعدة راسخة في أذهان الشعوب تقول إن فرنسا عدوة الشعوب  وتقف دائما إلى جانب النظام الخاضع الطاغي المستبد وهي علاقة ستستغلها الجماعات الإرهابية لاحقا في التحريض على الوجود الفرنسي في المنطقة سوء كان مدني أو عسكري.



 لقد كان لهذه الممارسات الأثر الكبير في جعل الآلاف من شباب المنطقة يناصبون كل ما هو فرنسي العداء وينخدعون بالمفاهيم المفخخة التي انتحلت معاني وقيم مصطلحات إسلامية سامية كالجهادية و السلفية ما سهل انجرافهم نحو انحراف فكري هدام ,إن انخراط المئات من أولئك الشباب في صفوف هذه الحركات الإرهابية ظل الجميع يستصغره بمن في ذلك فرنسا و حكومات المنطقة و لم يتم الانتباه إليه إلا حين استفحل وصار ظاهرة خطيرة تهدد مصالح فرنسا الحيوية في المنطقة  ووجود تلك الأنظمة فقد واصل المد التكفيري زحفه رويدا صوب بلدان هشة بما للكلمة من معنى حيث الفساد و الأمية والفقر والقهر  ومنظومة حكم فاشلة تحميها جيوش فاسدة ضعيفة التكوين النفسي و العسكري رجالها بلا عتاد ودون عقيدة عسكرية صلبة عدى الشغف بإخضاع مواطنيهم فكريا وجسديا لرغبات رئيس الدولة "الملك" ما سهل على الفكر المتطرف أن يتطور بشكل سريع كسرطان خبيث في هذا الجسم المعتل.



في جمهورية مالي قادة ضباط متوسطوا الرتب  انقلابا عسكريا في 22 مارس 2012 ليس الأول بالطبع وتصدق فيه مقولتنا الشعبية ( اَلشاف اسغير عند لكبير) مهد لاحقا لحركة تحرير "أزواد" إعلان انفصال الإقليم الأكبر مساحة في البلاد (ثلثي مساحة مالي) لكن خليطا غير متجانس من التنظيمات الإرهابية كان أكثر استعدادا و حماس من(MNLA) فابتلع طموحات الحركة الازوادية واكتسح مناطق شاسعة من الإقليم و حرك على عجل أسراب ملثميه المدججين بالسلاح صوب عمق الأراضي المالية مستغلا الظرف السياسي والوضع العسكري للجيش المالي ,جرأة التنظيمات الإرهابية المسيطرة على مدن الشمال المالي في الظروف السالفة الذكر كانت كابوسا صعق قادة أنظمة دول الساحل و سبب خطره الداهم هلعا بين شعوب المنطقة لما قد يحل ببلدانها من فوضى منفلتة في أي حين.



 مع غياب الإرادة و القدرة معا لم تكن ردة فعل جيوش المنطقة متناسبة مع الخطر الذي يحوم حول الأمن القومي لكل بلد على حدة والمنطقة ككل ومع تزايد نفوذ الحركات الإرهابية في إقليم أزواد وانحسار سيادة الدولة المالية تحول إقليم أزواد من منطقة يطمح سكانها إلى الإنصاف أو الحكم الذاتي وعلى أبعد تقدير الانفصال إلى بؤرة إرهابية تهدد كيان الجميع.  



في 11 يناير 2013 قررت فرنسا التدخل العاجل لإنقاذ السيادة المالية من الانهيار تحت البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على شرعية الدفاع عن النفس الفردي و الجماعي في حال تعرض بلد عضو في الأمم المتحدة لعدوان مسلح وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ساعة الصفر لانطلاق عملية "السرفال" أو القط المتوحش فكانت الضربات الجوية لطائرات سلاح الجو الفرنسي العتيدة (ميراج و رافال) و الزحف البري لقوات النخبة القتالية الفرنسية تحدي لم تستطع جموع الإرهابيين قهره وبعد أشهر من القتال استطاعت القوات الفرنسية والمالية مسنودة بدعم عسكري إفريقي كان تشادي ونيجيري ونيجري منه لافتا و مهما في دحر التنظيمات الإرهابية خصوصا على جبهة غاو وعادت السيادة المالية لمناطق الشمال ذات التنوع العرقي الذي سيشكل لاحقا معضلة أمنية و سيادية لهذا البلد النازف. 



غير أن النصر الذي تحقق عسكريا تطلب للمحافظة عليه قوات على الأرض تبسط الأمن و تمسك بزمام المبادرة العسكرية في الميدان فتم نشر قوات غرب افريقية لا تتمتع بالخبرة الميدانية اللازمة ولا التمويل الكافي وقدراتها الاستخباراتية و القتالية لا تأهلها لمواصلة معركة تصفية الجماعات الإرهابية التي تعتمد إستراتيجية حرب العصابات و تكتيك العمليات الانتحارية وسائل لاستنزاف الخصوم.



أطلقت فرنسا عملية برخان في فاتح أغسطس 2014 و كان تشكيلها قرارا فرنسيا حكيما بموجبه تم تحديد مواقع تمركز لقوات برية بإسناد جوي بحري خفيف مهمتها الرئيسية التصدي للجماعات الإرهابية التي تمركزت في مناطق نائية وعرة في الشريط الحدودي لدول مالي و النيجر و بوركينا فاسو ,لم تضع فرنسا و هي تنشر على عجل  نخبة قواتها في الساحل الإفريقي لحماية مصالحها الإستراتيجية في الحسبان معطيات عدة منها ما هو سياسي و منها ما هو عسكري و منها ما هو اجتماعي هام جدا ويتطلب فهمه الجيد الحرص على وضع استراتجيات و آليات حكيمة للتعامل معه فالخريطة الديمغرافية الملتهبة والقابلة للانفجار والتي لازالت غير حاضنة لهذه التنظيمات الإرهابية هي نسخة افريقية من تلك التي تشكل الحد الفاصل المتداخل بين العراق وسوريا وتركيا وإيران.



 غير أن تعدد المهام والمتدخلين في مالي سيشتت الجهود الرامية لإعادة الاستقرار و مكافحة الإرهاب فقد شهد شهر يوليو من العام 2014 انتشار القوات التابعة لبعثة الأمم المتحدة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي  "مينوسما" والتي تشكلت أساسا من قوات ثماني دول غرب إفريقيا، هي  نيجيريا، وتوغو، وغانا، وبنين، وبوركينا فاسو، والسنغال، والنيجر، وغينيا، وغانا، وتشاد،  و التي تم تشكيلها تحت البند السابع  من ميثاق الأمم المتحدة وتعتبر بعثة الأمم المتحدة لدعم العملية السياسية بمالي هي  أكبر بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تكلفة و يبلغ تعداد أفرادها حولي اثنى عشر ألف جندي و نحو 2000 شرطي.  



في فبراير من العام 2017 أعلن قادة كل من مالي وتشاد والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا بحضور الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قرار تشكيل قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب وتشكلت هذه القوات من كتائب عسكرية جيدة التدريب هي ثمرة التعاون العسكري الفرنسي مع هذه الدول بتالي مهيئة للتنسق بشكل جيد مع القوات الفرنسية التابعة لعملية برخان من حيث التدريب والعمليات المشتركة ويراد لها أن تكون  رأس الحربة في التصدي للجماعات الإرهابية وقد تعاقب على قيادتها خلال ثلاثة سنوات 3 جنرالات هم المالي "ديدييه داكو" و الموريتاني "حننا ولد سيدي " و النيجيري "عمارو ناماتا" وقد شكل عامل عدم استقرار القيادة إضافة لنقص التمويل و عدم وجود غطاء من الشرعية الدولية معوقات أساسية لتأدية هذه القوة لمهامها حيث لم يصادق مجلس الأمن حتى الآن على منح التقوض اللازم لهذه القوات كما لم ينخرط المجتمع الدولي بعد بشكل جاد في حشد التمويل الضروري بشقيه العسكري والتنموي وهي عقبات يجب أن يتم التغلب عليه قبل انتظار أن يحقق ما أطلق عليه في العاصمة المالية بامكو (التحالف من أجل الساحل) أي من أهدافه وستبقى للأسف القوات التابعة لـ(G5) مجرد حرس حدود تقتصر مهامه في دوريات تأمين الحدود من تسلل الإرهابيين دون أن تكون قادرة على الانتقال من وضعية الدفاع عن الحيز الذي توجد فيه ثكناتها ودورياتها المتنقلة إلى وضعية الهجوم وتتبع تنقلات الإرهابيين  ومداهمة أوكارهم.   



إن الحقيقة التي على قادة بلدان الساحل أن يصرحوا بها لشعوب الساحل هي أن العلاقة مع الجمهورية الفرنسية طوت صفحة مرحلة العلاقة السياسية بين الدولة الفرنسية و الأنظمة و فتحت صفحة علاقة ثنائية مبنية على المصالح المتبادلة في الأمن و التنمية ما يتطلب من حكومات بلدان الساحل والعلماء في المنطقة و نخبها السياسية و الثقافية أن تقوم بحملة علاقات عامة واسعة على كل المنابر لتصحيح المفهوم الجديد لهذه العلاقة في أذهان الشعوب التي إضافة لأعدائها السابقين الجهل و الفقر عليها أن تدرك أنه صار لديه عدو جديد أكثر فتكا من سابقيه هو الإرهاب الذي ينتهك حرمة قتل النفس  ويستسهله ذبحا و تفخيخا.



إن عملية برخان رغم ما تمثله من مصلحة وطنية عليا لبلدان الساحل عسكريا من خلال تقدم التدريب و المعلومات الاستخباراتية التكنولوجية و المساعدة القتالية الجوية الحاسمة و العملياتية الناجعة لقوات بلدان الساحل يجب أن توازيها مبادرة تنموية دولية تقودها فرنسا موجهة بالخصوص للمناطق التي يشعر سكانها بالإهمال من الحكومات المركزية و الحرمان من خيرات المناطق التي يتواجدون فيها والتي تستثمر فيها شركات فرنسية وعالمية عملاقة وعندما يرى الناس جدية هذا التوجه سينخرطون فيه دون شك ,فالمصلحة مشتركة بين حكومات و شعوب بلدان الساحل وفرنسا وحلفاءها الأوروبيين و بلدان العالم في مواجهة العدو المشترك للإنسانية وهو الإرهاب.



إن ما على فرنسا أن تتبنى من الآن فصاعدا هو مقاربة جديدة تبنى عليها دعائم العلاقة مع بلدان الساحل هي مقاربة التنمية و الديمقراطية و حقوق الإنسان في خدمة الأمن والاستقرار عندها فقط ستكون شعوب الساحل مستعدة للترحيب بالمساعدة الفرنسية في مكافحة الإرهاب وسترحب عن طيب خاطر بـ (برخان). 


خونه ولد إسلمو / المدير الناشر لموقع ملامح موريتانية
يتم التشغيل بواسطة Blogger.