Header Ads

اعلان

كورونا جسر عبور من عالم القرية الواحدة إلى عالم الجسد الواحد / مقال رأي

 
شكل انتشار فيروس كوفيد- 19 زلزالا قلب رأسا على عقب بنيان أنظمة صحية متطورة وهز ثقة العالم في القدرة التقنية والعلمية على التنبوء بالمخاطر وسبل مواجهتها إن ثنائية سرعة انتشار الفيروس والهلع الذي أصاب العالم ككل عاملان تسببا في شل حركة البشر و الآلة معا فالآلة التي أبهرتنا عبقريتها في التفوق علينا في فك طلاسم الجزئيات المتناهية وروج البعض لنظرية أنها باتت على وشك أن تفك ارتباطها بنا كبشر لم تستطع أن تنوب عنا في التفكير في المخرج من هذه الأزمة الطارئة فكان العالم أمام  لحظة أحس فيها الإنسان الضعف والانكسار واستشعر بإجلال عظمة خالقه وضعف حيلته حتى أن العالم كان يمكن أن يكون في طريقه إلى الزوال والآلة العجيبة لم تستوعب ما يجري حولها من أحداث أحرى أن تملك زمام المبادرة فيه غير أنه لولا كلمة سبقت من الله عز وجل بتكريمه لهذا المخلوق الذي هو الإنسان تكريم كانت إحدى تجلياته عبقرية فريق طبي مواظب موهوب هو جزء من هذا الكل الإنساني يقوده عالم فيروسات فرنسي هو ديديه راوول لكان الأمل تلاشي في الأسابيع الماضية وتخيلوا معي ضيق العيش دون فسحة أمل إن ما يمتلكه هذا الطبيب الإنسان من حس وحدس فيروسي مرهف إذا جاز التعبير وذهنه المتقد الذي شحذته سنوات طوال من المرابطة في المخابر وتراكم التجارب التي كانت محصلتها خبرة فائقة ودقيقة بسلالات هذه المخلوقات المجهرية التي تسمى الفيروسات إضافة إلى رصيد وافر من استشعار المسؤولية الإنسانية اتجاه العالم والتي هي ميزة إنسانية خالصة كل هذا مجتمعا غير مجريات الأحداث أو المباراة التي كاد يحسمها الفيروس القاتل لما تمتع به من قدرة خارقة على هزم القدرات المناعية للبشر وتسلله وفتكه بأكثر جهاز حيوي في جسم الإنسان الجهاز التنفسي ففي لحظات بلغت فيها القلوب الحناجر بعث نتائج التجارب السريرية لفريق لبرفسور ديديه راوول بصيص أمل للبشرية جمعا ولاحت من خلالها بارقة حياة وطيف مستقبل , إن الأمر ليس معقدا لهذه الدرجة كما قال روول ولسنا بحاجة إلى أن ننتظر شهورا تحسبا لدواء أو لقاح قد يأتي وقد لا ,لكن كم تمنى عامة الناس حول العالم أن يصدقوا كلام علم الفيروسات الفرنسي وهم في غمرة لهفتهم وخوفهم من القاتل الصامت كوفيد-19 لم يتورع باعة الوهم بل كرسوا جهدهم ووقتهم لتخدير أذهان الشعوب المحجوزة كل بين جدران سكنه الخاص في سابقة لم تعايشها هذه الأجيال من البشرية لكن أصوات سماسرة الدواء كانت عالية جدا فقد أفسحت لأصحابها المنابر الإعلامية وكل جهة على وشك إنتاج لقاحها المخلص أو المصل السحري أما ما خرج به البرفسور راوول فهو حسب توصيفهم زور وبهتان بل  إن صاحبه عجوز مجنون لكن رغم الحملة الدعائية الشرسة ضده وتكذب وتفند أقوله إلا أن راوول بعد أن قال كلامه مضى كالواثق من نفسه متواريا عن الأنظار الإعلامية شأنه في ذلك شأن العظماء عبر التاريخ الذين لم يطاردوا قط الأضواء بل كانت تزعجهم مطاردتها لهم .
حكومة البلد الذي ينتمي إليه لبروفسور راوول فرنسا وبعد أيام من التشكيك وعلى وقع ارتفاع حصيلة حصد الفيروس لأرواح مواطنيها اضطرت أن تذعن لدعوته تمكين المرضى الذين في بداية مشوار مكافحتهم للفيروس من عقاري (هيدروكلوروكين) و(ازيترومسين) لمساعدتهم على التعافي من هذا الفيروس الشرس لعلهم يتمكنوا من هزيمته, في النهاية انقشع غبار معركة الخبرة الطبية المخبرية مع البيروقراطية السياسية والجشع الرأسمالي وتمت أجازة وصفت راوول السحرية التي كان اكتشافها فتحا طبيا عظيم حصلت به معجزة الدواء الشافي الذي يمكن أن يتغلب على هذا العدو المتخفي الذي طاردت أشباحه أرواح الناس من ووهان إلى حيث وجدوا على هذه الأرض غينهم وفقيرهم قويهم وضعيفهم خشنهم ومليحتهم وكأنه خلق ليتتبع  بصمات البشر ضاربا عرض الحائط مقولة أن هناك دول عظمى قادرة على أن تتحمل أكثر من الدول نامية أو التي هي اقل نموا فقد خارت قوى الأنظمة الصحية في بلدن الشمال الغني تحت وطأة كوفيد-19 وإذ بها أمام عقاب إلهي , فقد تفرجوا أسابيع على دولة الصين التي تأوي ثلث سكان هذا الكوكب وكأن الفيروس ضرب كوكبا أخر أو صنفا  من المخلوقات الفضائية ليس ببشري فقد انتظروا  أن يفت لهم هذا الفيروس المخبري من عضد اعتى نظام شيوعي قائم في العالم والقوة الإنتاجية التي أغرقت أسواقهم بالمنتجات المنافسة الرخيصة وفجأة تسلل المتخفي كوفيد-19 في أحياء وضواحي ميلانو وبرلين ونيويورك لم تصده حصون البنتاغون ولا أسواره وللمفارقة العجيبة لم يفتتن بسحر الجميلة باريس كما لم يستأذن عند ما قرر الولوج من الباب رقم 10 في جادة دوانينغ ستريت.

 في خضم هذه الفوضى والارتباك والحزن كانت وصفة البرفسور راوول الجرعة التي نشطت غريزة البقاء عند الإنسان بعدما كادت تختنق بسبب كوفيد-19  الآن لقد تجاوز العالم حافة الانهيار رغم أنه لازال في دائرة الخطر.

 إن الحديث عن عالم ما بعد كورونا يعد حديثا سابقا لأوانه فالأولى بنا هو التفكير في  كيف نتجاوز أزمة كورونا لنعبر إلى بر الأمان عندها من الجائز الحديث عن ما بعد كورونا.

إن الاقتصاد العالمي المتعافي من أزمة سوق العقارات 2008 لم ينعم على ما يبدو بقضاء فترة النقاهة الكافية و التي كانت ضرورية ليستعيد عافيته التامة حتى باغته هذا الفيروس المدمر الذي يستهدف من جسم الإنسان جهازه التنفسي كذاك يفعل  بالاقتصاد الذي هو الرئة التي يتنفس بها العالم.

إن العالم اليوم في وضع أفضل وهذه حقيقة رغم الأسى هنا وهناك والأخبار السيئة التي تتدفق عبر كل الوسائط غير أن خطوتان عملاقتان تحققتا بفعل تضافر جهود خبراء الصحة والتقنيين الأولى سبقت الإشارة إليها وهي ما صار يعرف بوصفة البروفسور راوول التي عن جدارة يستحق عليها جائزة نوبل مزدوجة عن الطب والسلام والأخرى هي انجازات عظيمة تمثلت في ابتكارات واختراعات لأجهزة فحص سريعة لكشف الإصابة بفيروس كوفيد 19 وما دامت بلدان عدة في طريقها في المستقبل القريب لتجاوز مشكلة توفر الفحص وصرت الشريكات حول العالم ولله الحمد في سباق نحو من يوفر في الأسواق أسرع جهاز فحص لهذا الداء.

يكون الإنسان العبقري بذلك اكتشف العصا السحرية التي ستنقذ اقتصاد العالم فاليوم صار أمنا رفع الحظر عن المصانع حول العالم لتستعيد الورشات حيويتها ويستعيد البسطاء من العمال حياتهم وقوة أبنائهم فقد كاد الفيروس يتلقف اللقمة من أفواه صغارهم إن توفر جهاز فحص مجاني عند بوابات المصانع والمنشئات الصناعية والمؤسسات الإدارية كفيل  بالسماح للعامل العودة لمزاولة عمله والموظف لمباشرة العمل من مكتبه ففحص بسيط وسريع سينقذ الملايين بطالة مفعولها أشد من كورونا فيروس.

 كذلك ستكون عودة المطارات لسابق نشاطها تدريجيا ممكنة لأنها ضرورية فالمسافر من بلد نحو أخر لم يعد خطرا محتملا حمله للفيروس ونقله من مكان لأخر فقد صار من الممكن استدعاء المسافرين ساعات قبل السفر وإجراء الفحص لمعرفة من سيسمح لهم بالسفر بعد تأكد الحالة سالبة وليست موجبة.

لقد حققت البشرية نصرا عظيما في معركتي الفحص والدواء وهي إنشاء الله في طريقها لتكسب هذه الحرب التي لن يكتمل النصر فيها إلا حين يتمكن العقل البشري من فك شفرتين الأولى شفرة فيروس كوفيد-19 واكتشاف لقاح مضاد له يكون متوفر لكل إنسان أين ما كان في هذا العالم والشفرة الثانية القناعة واليقين أن العالم تحول من عالم القرية الواحدة حيث يمكن أن يعيش الواحد منا في منأى عن الأخر إلى عالم الجسد الواحد الجسد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

خونه ولد اسلمو/ المدير الناشر لموقع ملامح موريتانية.
 
يتم التشغيل بواسطة Blogger.